فصل: مسألة قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يعتق نصف عبده وهو صحيح ولا يرفع ذلك إلى السلطان حتى يموت المعتق:

قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يعتق نصف عبده وهو صحيح ولا يرفع ذلك إلى السلطان حتى يموت المعتق، أيكون حرا كله أم لا؟
فقال: لا يعتق منه إلا ما أعتق السيد في صحته، قال: ومثل ذلك الرجل يمثل بعبده المثلة البينة المشهورة التي لا يشك أن الإمام يعتق العبد على السيد بها فلا يرفع إلى الإمام حتى يموت السيد أنه لا يعتق، قال: وكل أمر لا يتم عتاقته إلا بنظر السلطان فإن مات الذي كان السلطان يعتقه عليه لم يجز للسلطان أن يعتقه على الورثة.
ولكن من اشترى من إذا ملكه عتق عليه فهو حر ساعة يملكه، لا يرفع مثل هذا إلى السلطان، فإن جهل الأمر فاستخدمه المشتري حتى مات فإنه يعتق على الورثة لأنه عتيق ساعة ملكه السيد، وقال: ألا ترى أن كل ميراث وقع له من يوم اشتراه قريبه الذي يعتق عليه بالسنة فهو لا يمنع من أخذه ولا يحجب عنه وحدوده تامة وعقله عقل حر والذي يعتق سيده بعضه وهو صحيح لا يتم له شيء من حالات الأحرار إلا بنظر الإمام وحكمه.
قال: وكذلك الذي يمثل به سيده.
قال: وكذلك أيضا الذي يعتق نصيبه من عبده وهو مليء ولا ينظر في أمره حتى يموت، فإنه لا يقوم على ورثته، فحاله حال الذي يعتق سيده بعضه وهو صحيح، والذي يمثل به سيده ولا ينظر في أمرهم حتى يموت السيد إن هؤلاء لا يعتقون على الورثة وإنما يعتق على الورثة الذي إذا ملكه المشتري أعتق عليه ساعتئذ.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يعتق نصف عبده وهو صحيح فلا يحكم عليه بعتق باقيه حتى يموت: إنه لا يعتق منه إلا النصف الذي أعتق وهو المشهور في المذهب، وقد قيل: إنه يكون حرا كله بعتقه لبعضه لسريان العتق في جميعه على الإشاعة، حكى عبد الوهاب القولين في ذلك على المذهب.
وجه القول الأول: أن تتميم عتقه عليه ليست فيه سنة وإنما تتم عليه بالقياس على ما جاءت به السنة في العبد بين الشريكين يعتق أحدهما حصته منه، فإذا لم يعتق عليه نصيب شريكه إلا بالحكم كان ذلك حكم العبد يكون للرجل فيعتق بعضه.
ووجه القول الثاني: أنه إذا أعتق بعض عبده فقد سرت الحرية في جميعه، وإذا وجب أن يكون حرا كله بعتق جارحه منه كيده أو رجله كان أحرى أن يكون حرا كله بعتق نصفه لسريان الحرية في جميعه، والفرق بين ذلك وبين العبد بين الشريكين أن الحرية إنما تسري إلى ملك المعتق لا إلى ملك من سواه، ولأن الرجل إذا أعتق شقصه من العبد قد لا يقوم حظ شريكه وإن كان موسرا إذا لم يرد شريكه أن يقومه عليه فأعتق حصته منه، فإذا كان التقويم موقوفا على اختيار الشريك وجب ألا يكون حرا حتى يقومه عليه فأعتق حصته منه، وإذا أعتق الرجل بعض عبده ولا دين عليه لابد من عتق باقيه، فالحكم في ذلك مبني على التغليب، ولما لم يكن للرجل أن ينقض حق نفسه سرت الحرية في جميعه.
والشافعي يقول: إذا أعتق حظه من العبد وهو موسر عتق جميعه بالسراية، وهو بعيد، إذ من حق الشريك أن يعتق نصيبه منه ولا يقومه عليه.
وأما المعتق بالمثلة فلا يكون إلا بالحكم على المشهور في المذهب، وقال أشهب وابن عبد الحكم: إن المثلة إذا كانت مشهورة بينه كان العبد حرا بها دون حكم السلطان، ووجه ذلك اتباع ظاهر ما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من قوله: «من حرق مملوكه بالنار أو مثل به فهو حر، ولاؤه لله ورسوله»، ووجه قول ابن القاسم الذي هو المشهور في المذهب، ما جاء في نص الحديث: «من مثل بعبده فأعتقوه»، ولم يقل فهو حر.
وأما من يعتق على الرجل فلا اختلاف في أنه يكون حرا بنفس الملك دون حكم.
واستدلاله بالميراث وسائر أحكام الحرية على الفرق بين من يعتق على الرجل وبين من يعتق بعض عبده بقوله: ألا ترى أن الميراث يجب لمن اشتراه من يعتق عليه من يوم اشتراه، وتكون أحكامه أحكام حر من يومئذ، والذي أعتق بعض عبده لا يجب له الميراث ولا تكون أحكامه أحكام حر حتى يعتق عليه باقيه ليس بصحيح، لأن ذلك هو نفس المسألة، ولا يقاس الشيء على نفسه، وإنما يقاس على غيره، فلا يصح أن يذكر ذلك إلا على بيان افتراق حكم المسألتين، لا على سبيل الاستدلال على الفرق بينهما، وبالله التوفيق.

.مسألة يعتق عبده النصراني ثم يسلم:

ومن كتاب الصبرة:
وسئل: عن النصراني يسلم وقد كان أعتق أو دبر أو كاتب فيريد أن يرجع في ذلك كله، ويقول: قد كان الرجوع لي جائزا في ديني.
قال: سمعت مالكا يقول في النصراني يعتق عبده النصراني ثم يسلم فيتعلق به يريد استرقاقه، قال: لا أرى أن يحال بينهما. قال ابن القاسم: وأنا أرى المدبر والمكاتب بمنزلة ذلك، لا أرى أن يمنع رد واحد منهما في الرق وفسخ ما كان جعل له إن أحب ذلك ما كانا على دينهما.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: ما كانا على دينهما- معناه: أنه لا يمنع بعد الإسلام من رد الكتابة والتدبير الذي أوجبه له ما كانا على دينهما، فليس قوله بخلاف لقول مالك، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].
فلا يلزم الكافر إذا أسلم الوفاء بما نذر ولا بما عقده على نفسه من العقود لله إذ كان لا يعرف الله ولا يؤمن به فلا يتوجه إليه في ذلك الحال خطاب الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وما روي «أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام، فقال: ف بنذرك»، معناه أنه أمره أن يفي لله عز وجل بطاعة يطيعه بها في الإسلام مكان النذر الذي لم يمكن منه طاعة حتى يعمل حسنة مكان النذر الذي لو عمله في حال شركه لم يكن كذلك؛ لأن ف لا تستعمل إلا فيما ليس بواجب، وإنما تستعمل في الواجب أوف، وإن كان قد جاء في بعض الآثار أوف فمعناه ما ذكرناه، إذ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما النذر ما ابتغي به وجه الله عز وجل»، وقد علمنا أن المشرك لم يرد بنذره ولا بعتقه وجه الله عز وجل، وهذا إذا كان لما أعتقه لم يخل سبيله ولا خرج عن يده، وأما إن كان لما أعتقه خلى سبيله وأطلقه ثم أراد أن يرجع في عتقه بعد أن أسلم فلا يكون ذلك له على ما في كتاب الجنايات من المدونة، ويكون ذلك على ما يأتي في رسم يشتري الدور والمزارع بعد هذا وبالله التوفيق.

.مسألة يقول أحد عبيدي حر:

وسئل: عن الرجل يقول أحد عبيدي حر فيقوم به عبيده إن له أن يعتق أيهم أحب، ولورثته إن مات قبل أن ينفذ العتق لأحدهم مما كان للميت، فإن نظر في أمره وقد مات العبيد كلهم إلا واحدا كان عتيقا ولم يجب له أن يجعل العتاقة لمن قد مات ويلزم الورثة مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والكلام عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.

.مسألة قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة:

وسئل: عن الرجل يقول لأمته ائتني بمائة دينار وأنت حرة فتلد قبل أن تأتي بالمائة ثم تأتي بها، أيعتق ولدها بعتقها؟
قال: لا أرى ذلك إلا لها خاصة لا يدخل الولد في شيء من هذا.
قلت: أيجوز لسيدها أن يرجع فيما جعل لها من العتق بغرم المائة؟ قال: لا.
قلت: أفيجوز له بيعها؟ قال: لا حتى يتلوم لها السلطان، فإن جاءت بالمائة دينار وإلا أمكنه من بيعها أو بطول الزمان وهي تاركة لغرم المائة لا تعتق بذلك فإن باعها بعد طول الزمان جاز بيعه إياها.
قلت: فإذ لا يجوز لسيدها أن يرجع فيما جعل لها، ولا يجوز له بيعها إلا بما ذكرت من تلوم السلطان أو بعد طول زمان، فما الذي أخرج الولد عما عقد لها قبل أن تحمل به؟
قال: لأن الذي عقد لها ليست كتابة ولا عتاقة إلى أجل فيجري من ذلك للولد ما جرى للأم، ألا ترى أنه لو مات ولم يأت بشيء لم يكن على ورثته أن يعتقوها وإن جاءت بالمائة الدينار إلا أن يرضوا إذا لم يوص لها بذلك ولم ينفعها ما قال لها في صحته، قال: ومثل ذلك عندي الأمة تجرح الرجل فلا يقوم المجروح بأخذ عقله حتى تلد فإن سيدها إن أسلمها لم يكن عليه أن يسلم ولدها معها وقد كانت مرهونة بما وجب عليها من عقل ما جنت.
قال محمد بن رشد: قول الرجل لعبده أو لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة، أو متى ما جئتني أو إن جئتني أو إذا جئتني سواء كله عند ابن القاسم، وسواء عنده أيضا سمى لذلك أجلا أو لم يسمه، لأنه إن لم يسم لذلك أجلا كان ذلك إلى القدر الذي يؤدي إليه مثل ذلك العدد الذي سمى ذلك العبد أو تلك الأمة على ما يظهر من قدرتها على السعاية فيه باجتهاد السلطان في ذلك كله.
فقوله في هذه الرواية: إن ولدها لا يدخلون معها فيما جعل لها سيدها من هذا خلاف نص قوله في المدونة: إنهم يدخلون معها، فعلى قوله فيها يلزم ورثة السيد إذا مات ما لزمه هو من ذلك على حكم الكتابة، وقوله فيها إن ذلك لا يلزم ورثته إن مات خلاف نص ما في سماع عبد الملك بعد هذا من هذا الكتاب، وخلاف ما تقدم في رسم إن خرجت من سماع عيسى في الذي يدفع إلى عبده مائة شاة ويقول له اعمل عليها فإذا بلغت كذا وكذا فأنت حر، فعلى ما في سماع عبد الملك وما تقدم في سماع عيسى من أن ذلك يلزم الورثة يدخل الأولاد معها على حكم الكتابة مثل ما في المدونة، لأن بعض ذلك يفسر بعضا، ورواية يحيى هذه هي المخالفة لذلك كله في أن الولد لا يدخلون معها، وفي أن ورثة السيد لا يلزمهم ما لزمه هو، وإنما وقع الخلاف في هذا بين هذه الرواية وبين سائر الروايات التي ذكرناها من المدونة وغيرها من أجل أنه ليس في شيء منها قبول الأمة لذلك ورضاها به والتزامها له، ولو رضيت بذلك وقبلته والتزمته لما اختلف في أنها كتابة على حكم الكتابة يدخل ولدها فيها، ويلزم ورثة السيد ما لزمه هو، لأن الكتابة عقد من العقود بين العبد وسيده، فلا تتم إلا برضاهما جميعا على القول بأن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، فالاختلاف الذي بين هذه الرواية وبين سائر الروايات في دخول الولد معها وفي لزوم ورثة سيدها ما لزمه راجع إلى هذا الاختلاف، فلم ير ابن القاسم في هذه الرواية قول الرجل لأمته ائتني بكذا وكذا وأنت حرة كتابة، إذ لم يعقد ذلك معها ولا التزمه لها، وذلك من قوله هذا على القول بأن السيد لا يجبر عبده على الكتابة فألزمه هو ما التزمه لها من عتقها إذا أتته بالمائة، ولم ير لولدها في ذلك دخولا ولا رأى ذلك لازما للورثة إذ ليست بكتابة ولا عتقا مؤجلا إذ قد يكون إن جاءت بالمائة، ولا يكون إن لم تأت بها، فأشبه قول الرجل لعبده إن جاء فلان فأنت حر في أن الولد لا يدخل في ذلك، وأن ذلك إنما يكون لها مع حياة سيدها، ورأى ذلك ابن القاسم في المدونة وفي سماع عيسى وعبد الملك كتابة وإن لم يكن منها في ذلك قبول ولا التزام على قياس القول بأن الرجل يجبر عبده على الكتابة، فهذا وجه القول عندي في هذه الرواية، وقال ابن الماجشون في الواضحة: إذا لم يقبل العبد ذلك ولا ألزمه لم يلزم السيد أيضا، وكان له أن يبيعه، فقول الرجل لعبده على مذهبه إن جئتني بكذا وكذا إلى أجل كذا وكذا إذا لم يقبل العبد بمنزلة قول الرجل لعبده إن قدم فلان في هذه السنة فأنت حر في جميع الوجوه.
وهذا الذي ذكرته من أنه لا فرق عند ابن القاسم بين أن يسمي أجلا أو لا يسميه، ولا بين قوله ائتني بكذا وكذا أو إن جئتني وإذا جئتني أو متى ما جئتني بين من قوله في المدونة من رواية عيسى عنه.
وفرق المغيرة بين قوله: إن جئتني بكذا أو إذا جئتني بكذا، فقال: إنه إذا قال: إن جئتني، يلزمه ذلك هو وورثته بعده، فليس له ولا لهم أن يبيعوه ما لم يطل الأمر جدا، وإن قال: إذا جئتني أو متى ما جئتني، لم يكن ذلك للعبد بعد موت السيد، وكان له ذلك في حياته وإن طال الزمان جدا ما كان في ملكه ولم يبعه، هذا معنى قوله.
وساوى ابن كنانة بين أن يقول إن جئتني بكذا وكذا فأنت حر وأنا أعتقك وفرق بين أن يسمي لذلك أجلا أو لا يسميه، فقال: إنه إن لم يسم أجلا يتلوم له في ذلك على ما ذكرناه من مذهبه، وفرق بين أن يقول فأنت حر أو فأنا أعتقك، فقال: إنه إذا قال فأنا أعتقك فأتى بما سمي له من المال لا يلزمه عتقه إذا قال لم أرد إيجاب ذلك على نفسي، ويحلف ما أراد إيجاب ذلك على نفسه، وإنما أراد أن يفعل ذلك إن شاء، وقول ابن القاسم هو الفقه بعينه، وبالله التوفيق.

.مسألة أعتق حظا له في عبد ثم أعتق بعد ذلك عبدا لا مال له سواه:

وسألته: عن الرجل يعتق حظا له في عبد ثم أعتق آخر لا شركة له فيه ولا مال له غيره، أيمضي عتق الآخر ولا يعتق عليه من الأول نصيبه منه؟ أم يبطل عتق الآخر ويقوم عليه الأول؟
فقال: بل يمضي عتق الآخر ولا يقوم عليه الأول، إذ لا مال له إلا العبد الذي أنفذ عتقه قبل أن يقوم عليه الأول، وذلك أن القيمة لم تكن عليه كالدين الثابت، ألا ترى أنه لو كان ذا مال يوم أعتق نصيبه من الأول ثم داين الناس فقاموا يطلبونه بأموالهم التي داينهم بها بعد عتقه نصيبه من العبد وقام العبد يطلب أن يقوم عليه كان الغرماء أحق بماله ولو لم يقوم عليه العبد الذي أعتق بعضه، وإنما ينبغي للسلطان أن يقوم عليه فيه فيما يجد له من مال يوم يرجع إليه أمره.
قلت له: أرأيت إن أحدث بعد عتق نصيبه من العبد صدقات وهبات، أتجيزها؟
قال: نعم، ذلك عندي ماض عليه جائز لمن كان ذلك منه إليه.
قلت له: وإن كاتب عبدا؟
قال: تمضي الكتابة ويباع ما على المكاتب بما يجوز له بيع ما عليه، ثم يقوم على المعتق من حصة شريكه في العبد بقدر ما يبلغ ما يباع به كتابة المكاتبة، فإن كان ذلك ما يعتق به جميعه قوم عليه فيه وأعتق ولا ترد الكتابة.
قلت له: فإن أحدث تدبيرا؟ قال: أرى أن يرد التدبير فيباع العبد الذي دبر ويقوم عليه الأول في ثمن المدبر إلا أن يكون في ثمن المدبر فضل عن استتمام عتق الأول فلا يباع منه إلا بقدر ما يعتق به الأول.
قلت: لم أجزت الصدقات والهبات ولم ترددها حتى يقوم عليه نصيب شريكه من العبد في ماله الذي أحدث فيه الصدقات والهبات ورددت التدبير، والتدبير كان أحق بأن يجوز له من الصدقة.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي أعتق حظا له في عبد ثم أعتق بعد ذلك عبدا لا مال له سواه أو تداين ديونا قبل أن يقوم عليه العبد تستغرق ماله: إن العتق ينفذ عليه في عبده، ويكون الغرماء أحق بماله ولا يقوم عليه العبد الذي أعتق حظه إذا لم تكن القيمة عليه كالدين الثابت صحيح لا اختلاف أحفظه في المذهب في أن ملك الشريك باق على حصته من العبد حتى يقوم على الذي أعتق نصيبه منه ويعتق عليه، ويأتي على ما ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا عن الشافعي أنه يعتق عليه حظ شريكه بالسراية أن يكون التقويم أحق من ديون الغرماء الحادثة بعد عتقه لنصيبه، وأحق من عتقه للعبد الذي أعتقه بعد ذلك، وهو بعيد على ما ذكرناه، إذ لا يسري ما أعتق من ملكه إلى ملك شريكه.
وقال في الرواية: إنه إذا أحدث بعد عتقه لنصيبه صدقات وهبات وتدبيرا إن الصدقات والهبات تنفذ ويكون أحق من التقويم، وإن التدبير يرد فيكون التقويم أحق، ولما سأله عن الفرق بين التدبير والصدقات والهبات واعترض عليه بأن الصدقات والهبات أحق أن يرد من التدبير- سكت له عن الجواب في ذلك، والجواب في ذلك: أن التدبير أحق أن يرد من الصدقات والهبات، إذ قد اختلف في التدبير، فقيل: إنه غير لازم وإن لسيده أن يبيعه، وإن للإمام أن يبيعه عليه في الدين الحادث بعد التدبير، ومالك يرى أنه يباع بعد الموت في الدين الحادث، فقد لا يحصل له في التدبير عتق، والصدقات والهبات لا اختلاف بين أحد من أهل العلم في وجوبها للموهوب له وللمتصدق عليه؛ إذ قبضاها وحازاها على الواهب والمتصدق، وهو الذي أراد ابن القاسم والله أعلم، وأما إذا لم يحزها الموهوب له والمتصدق عليه عن الواهب والمتصدق، فالذي يوجبه النظر في ذلك عندي على المذهب أن يتحاصا جميعا، لأن الشريك والعبد يطلب التقويم، والموهوب له أو المتصدق عليه يطلب هبته أو صدقته، وليس أحدهما بأحق بالقضاء له من صاحبه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: إذا قيم عليه بالتقويم قبل أن يحاز عنه الصدقة والهبة والعطية فهي مردودة حتى يعتق منها باقي العبد ويمضي ما بقي، ولقوله وجه وهو مراعاة قول من يقول من أهل العلم: إن للواهب والمتصدق أن يرجع في هبته وصدقته ما لم يقبض منه، وبالله التوفيق.

.مسألة جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل:

وسئل: عن رجل جعل على نفسه رقبة من ولد إسماعيل.
قال مالك: ليعتق رقبة، قيل له: أتجزيه رقبة من الزنج؟ قال: ليعتق رقبة أقرب إلى ولد إسماعيل.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، لأن للشرف في النسب مزية توجب التنافس في العبيد من أجلها والزيادة في ثمنها، والأجر على قدر ذلك لما جاء من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: أي الرقاب أفضل؟ فقال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها»، فوجب أن يجري ذلك فيما نذر، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد ينكح الحرة وأبو العبد حر فيولد للعبد من الحرة:

وسئل ابن القاسم: عن العبد ينكح الحرة وأبو العبد حر فيولد للعبد من الحرة، أيجر الجد ولاء ابني ابنه من الحرة؟
قال: نعم، وهو قول مالك، قيل له: أرأيت ما ولد للعبد من الحرة وقد مات الجد، أيكون ولاؤهم لموالي الجد كما كان يجر ذلك إليهم الجد في حياته؟ قال: لا، قيل: فهل يجر الجد ولاء من ولد لابنه العبد من الحرة قبل أن يعتق الجد إذا عتق الجد؟ قال: نعم، قيل له: فلم لا يجر الجد ولاء من ولد بعد موته كما جر إليهم الجد حين أعتق ولاء من كان ولد لابنه قبل أن يعتق؟ قال: إنما مثل الذين ولدوا بعد موت الجد بمنزلة ما لو أن العبد لم يولد له من امرأته الحرة ولد حتى مات أبوه الحر ثم ولد له بعد ذلك أولاد فإن ولاءهم لا يكون لموالي الجد، ولا ينتقل عن موالي الأم، فإذا لم يجر موالي الجد ولاء ما ولد لابنه إذا لم يولد منهم أحد في حياة الجد، فكذلك إذا ولد بعضهم في حياته وبعضهم بعد موته لا يكون لهم إلا ولاء الذين ولدوا في حياة الجد الذين كانوا ثبتت مواريثهم بينهم وبين الجد.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في رسم النسمة من سماع عيسى ومضى الكلام عليها هنالك، وهي بينة صحيحة.
وأما الحجة التي احتج بها إذ قال إنما مثل الذين ولدوا بعد موت الجد بمنزلة ما لو أن العبد لم يولد له... إلى آخر قوله، فهي ضعيفة، لأن السؤال إنما هو فيمن ولد لابنه العبد بعد موته هل يجر ولاءهم إلى مولاه أم لا، فلا فرق فيهم بين أن يكون لابنه العبد ولد سواهم قد ولدوا في حياته أم لا، فالجد يجر إلى مواليه عن موالي الأم ولاء ولد ابنه العبد كان قد أعتق قبل أن يولدوا أو بعد أن ولدوا، فإن عتق أبوهم بعد ذلك جر الولاء عن موالي الجد إلى مواليه الذين أعتقوه، والمعنى في هذا أن الجد لما كان وارث ابنه العبد لو مات من أجل أن العبد لا يرث كان مولاه الذي أعتقه هو وارثه إذا مات، ولما لم يكن الجد وارث ابنه العبد لو مات إذا كان هو قد مات قبله لم يكن مولاه الذي أعتقه هو وارثه، لأن مولى الجد إنما يرث بالولاء من كان يرثه الجد لو كان حيا، وهذا بين، وبالله التوفيق.

.مسألة حكم ما للعبد المعتق بعضه:

ومن كتاب الصلاة:
قال: وسمعته يقول في العبد يكون بين الرجلين يعتق أحدهما حظه فلا يجد له السلطان شيئا يقومه عليه فيعتق نصفه ويرق النصف للشريك: إن ماله يوقف بيده ولا يجوز استثناؤه للمعتق ولا أخذه للمتمسك بالرق، ولكنه يوقف بين العبد.
قيل له: فإن جر جريرة تكون في رقبته؟ قال: يكون عليه غرم نصف قيمة الجريرة ويخير المتمسك بالرق في نصفه، فإن شاء أسلم نصيبه فيه إلى المجني عليه، وإن شاء افتداه، قيل له: فإن جرح العبد ممن عقل جرحه؟ قال: يقتسمان ذلك للعبد نصفه وللمتمسك بالرق نصفه، قيل له: أيدفع إلى السيد نصفه؟ قال: نعم.
قلت: وإلى العبد نصفه يصنع به ما أحب؟ قال: بل هو مال من ماله يوقف مع ماله الأول ويسوغ للسيد تعجيل أخذ نصيبه، قيل له: أرأيت إن ولد له من أمته فأعتق السيد نصيبه من أبيه؟ فقال: ابنه بمنزلته، فإن أعتق السيد حظه من ابنه فهو عتيق كله، قيل: فمات الابن عن مال فمن يرثه وأبوه لم يعتق بعد؟ قال: يورث بالولاء للمعتق الأول نصف الميراث وللشريك نصفه، قيل له: فإن تزوج حرة وولد له فمات الابن عن مال؟ قال: ميراثه لأمه ومواليه لأنه لم يعتق فيجر ولاء أبيه، قيل له: فإن أعتق المعتق نصف عبد له بإذن المتمسك بالرق فمات عن مال قبل أن يعتق سيده الذي أعتقه؟ قال: ميراثه للذي تمسك بالرق خالصا إذ لم يجز له أن يرثه من أجل أن العبد لا يرث الحر والمتمسك بالرق أحب بميراث مواليه من الشريك المعتق الأول، وقد قال ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب العرية: إن ولاء ما أعتق هذا العبد الذي نصفه حر بين الذي له فيه الرق وبين الذي أعتق النصف ما كان هذا الذي نصفه حر فيه الرق، وإن مات العبد وفيه الرق فهو بينهما أيضا، فإن عتق العبد الذي نصفه حر يوما ما رجع إليه ولاء ما أعتق لأنه ممن لا يجوز للذي فيه الرق انتزاع ماله، فكل ما لا يجوز لسيده انتزاع ماله فما أعتق بإذنه فولاؤه يرجع إليه إذا أعتق، وكذلك المعتق إلى سنين إذا دنا أيضا انقضاء أجل سنيه أو المدبر أو أم الولد إذا مرض سيدهما فما أعتق هؤلاء بإذن ساداتهم أو بغير إذنهم فأجازوا ذلك لهم أو لم يعلموا به حتى عتقوا فولاء ما أعتقوه يرجع إليهم في حال لا يجوز لساداتهم أخذ أموالهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة تشتمل على سبع مسائل بعضها متفق عليها، وبعضها مختلف فيها، وهي حكم ما للعبد المعتق بعضه وجنايته، والجناية عليه، وميراث ولده من أمته قبل أن يعتق الشريك فيه حظه، وبعد أن أعتق حظه منه، وميراث ولده من حرة، وميراث ما أعتق بإذن الذي له فيه الرق.
فأما ماله فلا اختلاف في أن الحكم فيه أن يقر بيده للشريك الذي له في نفسه بتحرية التجارة المأمونة، وليس له أن يهبه ولا يتصدق به، فإن عتق باقيه تبعه ماله، وليس لسيده أن يستثنيه إذ لم يكن له أن ينتزعه، فكذلك الشريك الذي أعتق نصفه أولا ليس له أن يستثني ماله كما قال في الرواية، من أجل أن العبد بين الشريكين ليس لأحدهما أن يأخذ حظه منه دون إذن شريكه.
وأما جنايته فنصفها عليه في ماله وذمته يتبع بها إن لم يكن له مال، ونصفها على الذي له نصفه إن شاء افتداه وإن شاء أسلمه كما قال، ومثله في المدونة، ولا اختلاف أحفظه في ذلك.
وأما الجناية عليه فهي بينهما على ما قاله في الرواية، وهو أحد قولي مالك في المدونة، قال فيها: وقد كان لمالك قول إذا جرح إن جرحه للسيد، ثم رجع فقال: هو بينهما، ولكلا القولين وجه، فوجه القول الأول أنه لما كان ميراثه الذي له فيه الرق من أجل أن الحرية تبع للرق كانت الجناية عليه، ووجه القول الثاني أنه شريك في نفسه، فوجب أن تكون الجناية بينهما كالعبد بين الشريكين يجنى عليه، وهو الأظهر، لأن ما نقص من رقبته بالجناية ليس للذي له فيه الرق إلا بعضه، فليس له أن يأخذه كله، والميراث بخلاف ذلك إذ لا يورث بالحرية إلا من يرث بها.
وأما ميراث ولده من أمته، فولده من أمته بمنزلته، نصفه حر بعتاقة الشريك لنصف أبيه، ونصفه مملوك للذي يملك النصف الآخر من أبيه، فإن مات ونصفه مملوك قبل أن يعتق الشريك نصفه فيه كان ميراثه له ولا اختلاف في هذا.
وأما إن مات وهو حر كله بعد أن أعتق الشريك حظه فيه، فقال في الرواية: إنه يورث بالولاء، للمعتق الأول نصف الميراث، وللشريك نصفه، وفي هذا نظر؛ لأن أباه لم تكمل حريته فلا يجر ولاء ابنه إلى مولاه على أصله في هذه الرواية عنه في ميراث ولده من الحرة، وفي ميراث العبد الذي أعتقه بإذن الذي له فيه الرق، لأنه قال: ولده من الحرة لأمه ومواليه، كذا وقع في الرواية، وهو غلط، وصوابه: لأمه ومواليها، وإنما قال لأمه ومواليها لأن موالي أمه هم مواليه إذا كان أبوه عبدا، فلم يجعل نصف ما بقي من ماله بعد ميراث أمه للذي أعتق نصف أبيه كما جعل نصف ماله في ولده من أمته إذا أعتق الشريك حظه منها للذي أعتق نصف أبيه، فالمسألتان متعارضتان والذي يأتي في ميراث ولده من أمته إذا كملت حريته بعتق الشريك لنصيبه فيه على قياس قوله في ولده من الحرة أن يكون نصف ميراثه للشريك الذي أعتق نصفه والنصف الثاني لجماعة المسلمين، ويأتي في ميراث ولده من الحرة على قياس قوله في ولده من أمته إذا كملت حريته بعتق الشريك لنصيبه فيه أن يكون نصف ما بقي من ماله بعد ميراث أمه للذي أعتق نصف أبيه، والباقي لموالي أمه، لأن مولى الأب أحق بالميراث من مولى الأم إذا قلنا إنه يجر إلى أبيه ولاء ما أعتق منه قبل أن تكمل حريته، فالاختلاف في رواية يحيى من قول ابن القاسم في هاتين المسألتين على ما بيناه من تعارض قوله فيهما ووجوب رد كل واحد منهما إلى صاحبتها على اختلاف الروايتين عنه: رواية يحيى هذه، ورواية عيسى في رسم العرية في مسألة العبد المعتق نصفه يعتق عبدا له بإذن الذي له فيه الرق فيموت عن مال، لأن النكتة في المسألة إنما هي هل يجر العبد إذا أعتق بعضه إلى مولاه من ولاء ولده بقدر ما عتق منه أم لا يجره إليه على ما بيناه من اختلاف قول ابن القاسم، لتعارض قوله في ذلك، فعلى قياس القول بأنه يجره إليه يكون ميراث ما أعتق بإذن الذي له فيه الرق بين الذي فيه الرق وبين الذي أعتق النصف على ما قاله ابن القاسم في رواية عيسى، وعلى القول بأنه لا يجره إليه يكون جميع ميراثه للذي تمسك بالرق خالصا على ما قاله في رواية يحيى هذه.
فقد أتى القول بتكلمنا في هذه المسألة على سائر السبع المسائل، وقد مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم التكلم على ولاء ما أعتق العبد أو من فيه عقد عتق من مكاتب أو مدبر بإذن سيده أو بغير إذنه، وبالله التوفيق.